شركات وهمية وعقود مليارية سوريا الجديدة... إدلب الكبرى عامر علي الجمعة 8 آب 2025 كان برّاك قد أعلن دعم بلاده لإقامة نم
شركات وهمية وعقود مليارية: سوريا الجديدة... إدلب الكبرى
عامر علي
الجمعة 8 آب 2025
كان برّاك قد أعلن دعم بلاده لإقامة نموذج مماثل للنظام الاقتصادي الذي كان قائماً في إدلب (سانا)
أثارت التفاهمات الاستثمارية التي جرى توقيعها في دمشق، أول من أمس، والتي تضمّ مشاريع طموحة تصل قيمتها إلى نحو 14 مليار دولار، بحسب تصريحات رسمية سورية، جدلاً واسعاً في الشارع السوري. وأتى ذلك بعد أن حاول مواطنون البحث في طبيعة الشركات التي قامت بتوقيع هذه التفاهمات، ليصلوا إلى طرق مسدودة؛ إذ أظهر البحث أن قسماً كبيراً منها مجرّد واجهات وهمية لا أكثر.
وإذ جاءت التفاهمات التي تشمل مشاريع عملاقة في البنى التحتية، مثل إنشاء مترو أنفاق في دمشق، وتأهيل مطار العاصمة الدولي، وإقامة تجمّعات سكنية وإنشاءات عمرانية كبيرة، في وقت تمرّ فيه سوريا بفترة تصعيد ميداني وسياسي تُعدّ الأكبر منذ سقوط النظام السابق نهاية العام الماضي، أُثيرت شكوك كبيرة حول إمكانية الانتقال إلى خطوات لاحقة تتحوّل بموجبها هذه التفاهمات إلى استثمارات حقيقية.
وهكذا، وُضعت الإعلانات الأخيرة في إطار «الدعاية السياسية» و«الاستعراض»، خصوصاً أنها، وما سبقها قبل نحو أسبوعين من توقيع اتفاقات مشابهة مع شركات سعودية بقيمة 6 مليارات دولار، تمّت تحت إشراف ومباركة المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس برّاك، الذي يحاول جاهداً نسب تلك «الانفراجات» إلى جهوده واحتضان بلاده للإدارة السورية الجديدة.
وقاد التتبّع لبعض الشركات التي قامت بالتوقيع على تفاهمات بقيمة مليارَي دولار، على سبيل المثال، إلى وجود شركتين وهميتين؛ الأولى «UBAKO» التي قيل إنها إيطالية، ولا تظهر أي بيانات واضحة حول نشاطها في السجلّات الرسمية الإيطالية التي تؤكد أنه يعمل فيها موظف واحد فقط، ويديرها شخص يُدعى جيوفاني روسي، لم يتم العثور على أي معلومات حقيقية حوله.
كما تقود حسابات الشركة، المؤسَّسة في عام 2022، على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى حساب شخصي لشخص يُدعى بسام السبع، يقول إنه يملك «شركة مقاولات درجة ممتازة في دمشق... بناء، ميكانيك، كهرباء في لبنان وأميركا». وفيما أجرت قناة «الإخبارية السورية» الرسمية لقاء مع السبع، لم يقدّم الأخير أي توضيحات حول مشاريع قامت بها شركته، باستثناء حديثه عن تاريخ عائلته، وعن تأكيد الإدارة السورية للاحتضان الأميركي لهذه المشاريع.
وتقود المعلومات المتوافرة في السجلّات الرسمية الإيطالية، ومحاولة ملاحقتها، بما فيها رأس مال الشركة (16 ألف يورو غير مستوفى بشكل كامل)، من حيث الشكل، إلى ما يُعرف اقتصادياً باسم «الشركات الورقية»، التي يتم تأسيسها بشكل قانوني من دون أصول أو عمليات تجارية، ويمكن استخدامها لإخفاء هوية المالك الحقيقي، أو لإنشاء ملاذ للتهرّب الضريبي. وكحال الشركة الوهمية الإيطالية، برز أيضاً اسم شركة «Polidef» التركية الجنسية، ما قد يقود، عبر بحث معمّق في خلفيات الجهات الأخرى الموقِّعة على هذه التفاهمات، إلى محاولة حثيثة لخلق استثمارات وهمية، أو إلى القبض على تلك الاستثمارات من قبل شخصيات متنفّذة لا تريد الظهور بشكل مباشر.
ويتساوق ما تقدّم مع السياسة التي اتّبعتها «هيئة تحرير الشام»، التي تتولّى السلطة حالياً في سوريا، خلال فترة حكمها لإدلب، حيث قامت بإنشاء عشرات الشركات التي لا يمكن تتبّعها، أو يقود تتبّعها إلى طرق مسدودة، علماً أن هذه الشركات تولّت مفاصل اقتصادية مهمة، بينها قطاعا النفط والكهرباء، وغيرهما، ووقفت وراءها شخصيات تابعة أو مقرّبة من «الهيئة».
يمكن اعتبار النهج الذي تتّبعه الإدارة السورية محاولة لتعميم تجربة إدلب على كامل سوريا
وكانت وكالة «رويترز»، نشرت قبل نحو أسبوعين، تحقيقاً حول عمليات إعادة هيكلة الاقتصاد التي تجريها الإدارة السورية الجديدة، ذكرت فيه أن حازم الشرع، شقيق الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، يقود هذه الجهود عبر إبرام اتفاقيات تسوية مع رجال أعمال وشخصيات اقتصادية كانوا نافذين في زمن النظام السابق، تُدفع خلالها مبالغ طائلة تحت عباءة «صندوق سيادي» يشرف عليه الشرع. ويضاف إلى ما تقدّم، القبض على عدد كبير من الشركات التي كانت قائمة في زمن الأسد، ومن بينها، على سبيل المثال، شركة الاتصالات «سيرتيل».
وبحسب تحقيق الوكالة، يعتمد الشرع، الذي قام بإلحاق مؤسسات عديدة بإدارة رئاسة الجمهورية، من بينها مؤسسة الطيران، على شخصيات ساهمت في تأسيس هيكليته الاقتصادية في إدلب، من بينها خبّاز سابق يُدعى «أبو عبد الرحمن» ويُلقّب بـ«حاكم الظل»، واسمه مصطفى قديد، وآخر يحمل الجنسية الأسترالية ومطلوب للمحاكم الأسترالية، يُدعى «أبو مريم»، ذكرت الوكالة أن اسمه الحقيقي «إبراهيم سكرية»، وأن شقيقه نفّذ عملية انتحارية عام 2013.
وعند تولّيه السلطة في سوريا، احتفل الشرع، أكثر من مرة، بالنظام الاقتصادي الذي كان قائماً في إدلب. كما أعلن برّاك دعم بلاده لإقامة نموذج مماثل، الأمر الذي يمكن أن يشكّل أساساً واضحاً لما يتمّ بناؤه في «سوريا الجديدة»، التي بات نظامها المالي يعتمد على تطبيق إلكتروني لا تعترف به «أندرويد» أو «آبل ستور» (شام كاش)، وأدارت من خلاله «تحرير الشام» عملياتها المالية في إدلب، وتُدار من خلاله الآن العمليات المالية في كامل الأراضي السورية.
وعليه، يمكن اعتبار النهج الذي تتّبعه الإدارة السورية محاولة لتعميم تجربة إدلب على كامل سوريا، بما فيها من احتكار للمفاصل الاقتصادية عبر «اقتصاد الظل» تحت عباءة «الانفتاح الاقتصادي»، إلى جانب تركيز الاهتمام الإعلامي بشكل دائم على مشاريع كبيرة وعملاقة وطموحة يتمّ التأسيس لها.
ويأتي هذا بغضّ النظر عن الظروف المحيطة التي تؤكد عدم موثوقية إمكانية إقامة هذه المشاريع، أو حتى جدواها، في بلد يعيش أكثر من 90% من سكانه تحت خط الفقر، وفي ظل أوضاع أمنية «هشّة للغاية»، بعدما تعرّضت المؤسسات الحكومية للانهيار، وأصبح عشرات الآلاف من السوريين من دون عمل، إثر فصلهم من وظائفهم الحكومية.
ان ما ينشر من اخبار ومقالات لا تعبر عن راي الموقع انما عن رأي كاتبها